الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله عز وجل: {... فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}فيه وجهان:أحدهما: فاجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم لنصرتكم، قاله الفراء.الثاني: فاجمعوا أمركم مع شركائكم على تناصركم، قاله الزجاج.وفي هذا الإجماع وجهان:أحدهما: أنه الإعداد.الثاني: أنه العزم.{ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} فيه تأويلان:أحدهما: أن الغمة ضيق الأمر الذي يوجب الغم.الثاني: أنه المغطى، من قولهم: قد غم الهلال إذا استتر.وفي المراد بالأمر هاهنا وجهان:أحدهما: من يدعونه من دون الله تعالى.الثاني: ما هم عليه من عزم.{ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: ثم انهضوا، قاله ابن عباس.الثاني: ثم اقضوا إليّ ما أنتم قاضون، قاله قتادة.الثالث: اقضوا إليّ ما في أنفسكم، قاله مجاهد.{وَلاَ تُنظِرُونَ} قال ابن عباس: ولا تؤخروني.قوله عز وجل: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} يعني عن الإيمان. اهـ..قال ابن عطية: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ}تقدم في الأعراف الكلام على لفظة: {نوح}والمقام وقوف الرجل لكلام أو خطبة أو نحوه، والمُقام بضم الميم إقامته ساكنًا في موضع أو بلد، ولم يقرأ هنا بضم الميم وتذكيره: وعظه وزجره، والمعنى: يا قوم إن كنتم تستضعفون حالي ودعائي لكم إلى الله فإني لا أبالي عنكم لتوكلي على الله تعالى فافعلوا ما قدرتم عليه، وقرأ السبعة وجهور الناس وابن أبي إسحاق وعيسى: {فأجمعوا} من أجمع الرجل على الشيء إذا عزم عليه ومنه قول الشاعر: [الكامل]ومنه قول الآخر: [الخفيف] ومنه الحديث ما لم يجمع مكثًا ومنه قول أبي ذؤيب: [الكامل] وقرأ نافع فيما روى عنه الأصمعي وهي قراءة الأعرج وأبي رجاء وعاصم الجحدري والزهري والأعمش: {فاجمَعوا} بفتح الميم من جمع إذا ضم شيئًا إلى شيء، و: {أمركم} يريد به قدرتكم وحياتكم ويؤيد هذه القراءة قوله تعالى: {فتولى فرعون فجمع كيده} [طه: 60] وكل هؤلاء نصب الشركاء، ونصب قوله: {شركاءكم}، يحتمل أن يعطف على قوله: {أمركم}، وهذا على قراءة {فاجمعوا} بالوصل، وأما من قرأ: {فأجمعوا} بقطع الألف فنصب الشركاء بفعل مضمر كأنه قال: وادعوا شركاءكم فهو من باب قول الشاعر: [المتقارب] ومن قول الآخر: [مجزوء الكامل مرفل] ومن قول الآخر: [الرجز] وفي مصحف أبي بن كعب: {فأجمعوا وادعوا شركاءكم}، قال أبو علي: وقد ينتصب الشركاء بواو مع، كما قالوا جاء البريد والطيالسة، وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وسلام ويعقوب وأبو عمرو فيما روي عنه {وشركاؤكم} بالرفع عطفًا على الضمير في: {أجمعوا}، وعطف على الضمير قبل تأكيده لأن الكاف والميم في: {أمركم} ناب مناب أنتم المؤكد للضمير، ولطول الكلام أيضًا، وهذه العبارة أحسن من أن يطول الكلام بغير ضمير، ويصح أن يرتفع بالابتداء والخبر مقدر تقديره وشركاؤهم فليجمعوا، وقرأت فرقة {وشركائكم} بالخفض على العطف على الضمير في قوله: {أمركم}، التقدير وأمر شركائكم، فهو كقول الشاعر [العجّاج]: أي وكل نار، والمراد بالشركاء في هذه الآية الأنداد من دون الله، فأضافهم إليهم إذ يجعلونهم شركاء بزعمهم، وقوله: {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة}، أي ملتبسًا مشكلًا، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الهلال، «فإن غم عليكم» ومنه قول الراجز: وقوله: {ثم اقضوا إلي} ومعناه أنفذوا قضاءكم نحوي، وقرأ السدي بن ينعم: {ثم أفضوا} بالفاء وقطع الألف، ومعناه: أسرعوا وهو مأخوذ من الأرض الفضاء أي اسلكوا إلي بكيدكم واخرجوا معي وبي إلى سعة وجلية، وقوله: {ولا تنظرون} أي لا تؤخرون والنظرة التأخير. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ}أمره عليه السلام أن يذكّرهم أقاصيص المتقدّمين، ويخوّفهم العذاب الأليم على كفرهم.وحذفت الواو من {اتل} لأنه أمر؛ أي اقرأ عليهم خبر نوح.{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} {إذ} في موضع نصب.{ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ} أي عظم وثقل عليكم.{مَّقَامِي} المقام (بفتح الميم): الموضع الذي يقوم فيه.والمُقام (بالضم) الإقامة.ولم يُقرأ به فيما علمت؛ أي إن طال عليكم لُبْثي فيكم.{وَتَذْكِيرِي} إياكم، وتخْويفي لكم.{بِآيَاتِ الله} وعزمتم على قتلي وطردي.{فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} أي اعتمدت.وهذا هو جواب الشرط، ولم يزل عليه السلام متوكلًا على الله في كل حال، ولكن بيّن أنه متوكل في هذا على الخصوص ليعرف قومه أن الله يكفيه أمرهم؛ أي إن لم تنصروني فإني أتوكّل على من ينصرني.قوله تعالى: {فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} قراءة العامة {فَأَجْمِعُوا} بقطع الألف {شُرَكَاءَكُمْ} بالنصب. وقرأ عاصم الجَحْدرِيّ {فاجمعوا} بوصل الألف وفتح الميم؛ من جَمع يجمع.{شُرَكَاءَكُمْ} بالنصب.وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ويعقوب {فأجمِعوا} بقطع الألف {شركاؤكم} بالرفع.فأما القراءة الأُولى من أجمع على الشيء إذا عزم عليه.وقال الفراء: أجمع الشيء أعدّه.وقال المؤرّج: أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه.وأنشد:قال النحاس: وفي نصب الشركاء على هذه القراءة ثلاثة أوجه؛ قال الكسائي والفراء: هو بمعنى وادعوا شركاءكم لنصرتكم؛ وهو منصوب عندهما على إضمار هذا الفعل.وقال محمد بن يزيد: هو معطوف على المعنى؛ كما قال: والرمح لا يُتقلّد، إلا أنه محمول كالسيف.وقال أبو إسحاق الزجاج: المعنى مع شركائكم على تناصركم؛ كما يقال: التقى الماء والخشبةَ.والقراءة الثانية من الجمع، اعتبارًا بقوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى} [طاه: 60].قال أبو معاذ: ويجوز أن يكون جَمَعَ وأجْمع بمعنًى واحد، {وشركاءكم} على هذه القراءة عطف على {أمركم}، أو على معنى فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم، وإن شئت بمعنى مع.قال أبو جعفر النحاس: وسمعت أبا إسحاق يجيز قام زيد وعمرًا.والقراءة الثالثة على أن يعطف الشركاء على المضمر المرفوع في أجمعوا، وحسن ذلك لأن الكلام قد طال.قال النحاس وغيره: وهذه القراءة تبعد؛ لأنه لو كان مرفوعًا لوجب أن تكتب بالواو، ولم يُرَ في المصاحف واو في قوله: {وشركاءكم}، وأيضًا فإن شركاءهم الأصنام، والأصنام لا تصنع شيئًا ولا فعل لها حتى تُجْمِع.قال المهدويّ: ويجوز أن يرتفع الشركاء بالابتداء والخبر محذوف، أي وشركاءكم ليجمعوا أمرهم، ونسب ذلك إلى الشركاء وهي لا تسمع ولا تبصر ولا تميز على جهة التوبيخ لمن عبدها.قوله تعالى: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} اسم يكن وخبرها.وغُمّة وغَمّ سواء، ومعناه التغطية؛ من قولهم: غُمّ الهلال إذا استتر؛ أي ليكن أمركم ظاهرًا منكشفًا تتمكنون فيه ممّا شئتم؛ لا كمن يخفَى أمرُه فلا يقدر على ما يريد.قال طرفَة: الزجاج: غمّة ذا غم، والغم والغُمّة كالكَرْب والكُرْبة.وقيل: إن الغمة ضيق الأمر الذي يوجب الغم فلا يتبيّن صاحبه لأمره مصدرًا لينفرج عنه ما يغُمّه.وفي الصحاح: والغمة الكربة.قال العجاج: يقال: أمْرٌ غُمّة، أي مُبْهَم ملتبس؛ قال تعالى: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً}.قال أبو عبيدة: مجازها ظلمة وضيق.والغمة أيضًا: قعر النِّحْي وغيره.قال غيره: وأصل هذا كله مشتق من الغمامة.قوله تعالى: {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} ألف {اقضوا} ألف وصل، من قضى يقضي.قال الأخفش والكسائي: وهو مثل.{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} [الحجر: 66]، أي أنهيناه إليه وأبلغناه إياه.ورُوي عن ابن عباس {ثُمَّ اقضوا إلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ} قال: امضوا إليّ ولا تؤخرون.قال النحاس: هذا قول صحيح في اللغة؛ ومنه: قَضَى الميت أي مضى.وأعلمهم بهذا أنهم لا يصلون إليه، وهذا من دلائل النبوّات.وحكى الفراء عن بعض القراء {ثم أفضوا إليّ} بالفاء وقطع الألف، أي توجهوا؛ يقال: أفضت الخلافة إلى فلان، وأفضى إليّ الوجع.وهذا إخبار من الله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام أنه كان بنصر الله واثقًا، ومن كيدهم غير خائف؛ علمًا منه بأنهم وآلهتهم لا ينفعون ولا يضرون.وهو تعزيةٌ لنبيه صلى الله عليه وسلم وتقويةٌ لقلبه. اهـ. .قال الخازن: قوله سبحانه وتعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} لما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه السورة أحوال كفار قريش وما كانوا عليه نم الكفر والعناد شرع بعد ذلك في بيان قصص الأنبياء وما جرى لهم مع أممهم ليكون في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة بمن سلف من الأنبياء وتسلية له ليخف عليه ما يلقى من أذى قومه وأن الكفار من قومه إذا سمعوا هذه القصص وما جرى لكفار الأمم الماضية من العذاب والهلاك في الدنيا كان ذلك سببًا لخوف قلوبهم وداعيًا لهم إلى الإيمان.ولما كان قوم نوح أول الأمم هلاكًا وأعظمهم كفرًا وجحودًا ذكر الله قصتهم وأنه أهلكهم بالغرق ليصير ذلك موعظة وعبرة لكفار قريش، فقال سبحانه وتعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} يعني واقرأ على قومك يا محمد خبر قوم نوح: {إذ قال لقومه يا قوم} وهو بنو قابيل: {إن كان كبر} يعني ثقل: {عليكم مقامي} يعني فيكم: {وتذكيري بآيات الله} يعني: ووعظي إياكم بآيات الله: وقيل: معناه إن كان ثقل وشق عليكم طول مقامي فيكم وذلك أنه أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله تعالى ويذكرهم بآيات الله وهو قوله وتذكيري بآيات الله يعني ووعظي بآيات الله وحججه وبيناته فعزمتم على قتلي وطردي: {فعلى الله توكلت} يعني فهو حسبي وثقتي: {فأجمعوا أمركم} يعني فأحكموا أمركم واعزموا عليه، قال الفراء: الإجماع الإعداد والعزيمة على الأمر قال ابن الأنباري: المراد من الأمر هنا وجوه كيدهم وكرهم فالتقدير لا تدعوا من أمركم شيئًا إلا أحضرتموه: {وشركاءكم} يعني وادعوا شركاءكم يعني آلهتكم فاستعينوا بها لتجمع معكم وتعينكم على مطلوبكم وإنما حثهم على الاستعانة بالأصنام بناء على مذهبهم واعتقادهم أنها تضر وتنقع مع اعتقاده أنها جماد لا تضر ولا تنفع فهو كالتبكيت والتوبيخ لهم: {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} يعني لا يكن أمركم عليكم خفيًا مبهمًا ولكن ليكن أمركم ظاهرًا منكشفًا من قولهم غم الهلال فهو مغموم إذا خفي والتبس على الناس: {ثم اقضوا} ثم امضوا: {إليّ} بما في أنفسكم من مكروه وما توعدوني به من قتل وطرد وافرغوا منه تقول العرب قضى فلان إذا مات ومضى وقيل معناه ثم اقضوا ما أنتم قاضون: {ولا تنظرون} أي: ولا تؤخروني ولا تمهلوني بعد إعلامكم إياي ما أنتم عليه وهذا الكلام من نوح عليه الاسلام على طريق التعجيز لهم أخبر الله عن نوح عليه السلام أنه كان قد بلغ الغاية في التوكل على الله وأنه كان واثقًا بنصره غير خائف من كيدهم علمًا منه بأنهم وآلهتهم ليس لهم نفع ولا ضر وإن مكرهم لا يصل إليه. اهـ.
|